LOGIC

August 4, 2021

Thumb

القطاع العام يلحق بركب التحول

ليس من السهل إحداث تغييرات كبيرة في الشركات المملوكة للدولة، بغض النظر عن القطاع الذي تعمل فيه. وفي الوقت الذي يعاني فيه القطاع العام في مصر من فقدان مذهل للتوازن، دعت وزارة قطاع الأعمال العام إلى إصلاحات عاجلة لتطوير الشركات المتضررة المملوكة للدولة. ولكن الحقيقة المؤلمة هي أن معدل نجاح معظم مبادرات التحول منخفض على نحو ثابت، وقد لا يتجاوز 30 %. ويتعين على الشركات المملوكة للدولة أن تعترف بحقيقة أن مثل هذا الفشل من المحتم أن يحدث، لأن التحول الحقيقي لا يمكن أن يحدث بدون تغيير جذري وشامل.

وطبقاً لياسر النجار، الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة السابق للشركة القابضة للصناعات الكيماوية، “تشعر بعض الإدارات العليا في القطاع العام بالضغط للتركيز على جعل محافظهم تبدو مربحة. ويتجلى هذا إما بوضع شركاتهم الخاسرة تحت شركات قابضة رابحة بحيث تبدو المحفظة ككل رابحة في نهاية السنة المالية، أو بوضع شركاتهم المربحة تحت شركات قابضة خاسرة لدعم الشركات القابضة الخاسرة“. وقد أسفر ذلك عن مزيج من الشركات التي هي في حاجة ماسة إلى الإصلاح وتواجه ضرورة ملحة لزيادة الكفاءة التشغيلية وتعزيز قدرتها التنافسية والحد من المخاطر المالية.

قد تكون بعض الشركات المصرية المملوكة للدولة رائدة في خلق الإيرادات، ومع ذلك تفشل اغلب الشركات القابضة في خلق قيمة مضافة للشركات التابعة. وهذا يجعل التحولات الاستباقية، والتي تشمل إعادة تشكيل حافظة الأعمال والهيكل التنظيمي والأفراد والثقافة والعمليات، أمراً حتمياً. وقد تستغرق التغييرات الأساسية في شركات القطاع العام عقودًا حتى تصبح سارية المفعول، ولكن اغتنام جميع الفرص الناشئة لخلق القيمة يمكن أن تسرّع عمليات الإصاح. فالمسؤولون التنفيذيون يحتاجون فقط إلى التركيز على اكتساب ميزة تنافسية علي مستوي الشركة لبدء التحول التنظيمي بعيد المدى.

الحقائق القاسية وراء السنوات المتتالية من الأداء المتدهور في القطاع العام

1- إعادة توجيه الدعم الحكومي

سوء إدارة المحافظ: إن تحديد التوازن الصحيح بين المنتجات أو الشركات التي سوف تشكل محفظة الأعمال هو ما تفشل معظم الشركات المملوكة للدولة في معالجته. ولقد أدى انخفاض قيمة العملة وانخفاض الدعم إلى إعادة تشكيل المشهد التجاري في مصر بشكل كبير، الأمر الذي تسبب في فقدان مصر لميزتها التنافسية القومية في بعض الصناعات مع اكتساب ميزة أكثر تنافسية في الصناعات كثيفة العمالة.
ووفقاً لياسر النجار، «لا تزال بعض الشركات القابضة تستثمر ملايين اليوروات في تحويل القطاعات التي لم تعد واعدة من دون التفكير بشكل حاسم في استثماراتها ». وغالبا ما تتردد مثل هذه الشركات في توسيع آفاق شركاتها أو إيجاد خيارات نمو تتجاوز جوهر اعمالها، على الرغم من التغييرات التي تحدث في مجالها.
إن الجانب الأكثر أهمية في إدارة المحافظ هو النظر في كيفية توافق الشركات معاً، وكيفية تأثيرها على بعضها البعض وكيف يمكن هيكلة الشركة القابضة لزيادة القيمة الكلية. وعلى مر السنين تغاضي العديد من المدراء التنفيذيين عن مثل هذه الامور, مما أجبر الإدارة الحالية علي تولي مسئولية حل اشتباك ليس من صنعهم. ومع ذلك، لا يزال يتعين على الإدارة العليا الحالية تحمل مسؤولية تحديد دور
محدد لكل شركة، على سبيل المثال ما هي الشركات التي ستكون بمثابة محركات النمو المستقبلية؟ أو ما هي الشركات التي ستمول الشركات الأخري الشقيقة؟

الأصول غير المستغلة: تكافح معظم الشركات المملوكة للدولة في مصر لاستخلاص القيمة الكاملة من أصولها. على سبيل المثال، من حيث الأصول العقارية، أشار هشام توفيق, وزير قطاع الأعمال العام في مصر, أن هناك ٢٥ قطعة أرض غير مستغلة على مساحة ١٩ مليون متر مربع. وهذا يعكس عدم كفاءة الشركات العامة في استغلال أصولها على الرغم من أنه شيء يسهل تحقيقه, وذلك من خلال تشغيل الأصول بأقصى سعة وكفاءة، والاستثمار في تلك الأصول طوال دورة حياتها بأكملها لتقليل إجمالي التكاليف، وتوليد إيرادات
إضافية من تلك الأصول حيثما أمكن.
نظرًا إلى أن إمكانية تعظيم العائد على الأصول العامة لم تتحقق إلى حد كبير، فقد قرر الدكتور هشام توفيق إدراج
هذه المسألة في برنامجه الإصلاحي الجذري. وتتمثل إحدى مبادراته في تقليص عدد مصانع حلج المنسوجات
التابعة للشركة القابضة للمنسوجات من 25 إلى 11 مصنعاً، إلى جانب تغيير الاستخدام المحدد لعدد 14 مصنعاً آخر من صناعي إلى سكني، مما سيؤدي في النهاية إلى عائد قدره 25 مليار جنيه مصري.

عدم فعالية حوكمة الشركات: وفي حين تخلفت الجهود الرامية إلى تعزيز حوكمة الشركات في الشركات المملوكة للدولة عن التقدم المحرز في القطاع الخاص، إلا أن بعضها بدأ في تفعيل مبادئ الحوكمة بهدف زيادة الإفصاح والمساءلة. ولكن قانون الشركات
الحاكم لتكوين مجالس الشركات المملوكة للدولة ربما يشكل عقبة، حيث يسمح بوجود المسؤولين التنفيذيين في مجلس الإدارة، الأمر الذي يؤدي إلى تضارب المصالح. لذلك فإن إضافة المزيد من أعضاء مجلس الإدارة المستقلين، مثلما ينص قانون حوكمة الشركات في القطاع الخاص، أمر يستحق النظر فيه.
وفوق ذلك، من خلال تجربتنا مع الشركات المملوكة للدولة، فإن الكثير منها قد خيّب الآمال في تحقيق الهدف المرجو من حوكمة الشركات. فقد تحولت مجالس الإدارة الي اجتماعات تناقش الامور التشغيلية البحتة وتحول توجه البعض الي خلق إدارات بوليسية مما طغي علي روح التعاون التي تعطي شركات القطاع الخاص ميزتها التنافسية, فانتهي الامر بانتفاء الهدف من وضع نظم الحوكمة بالمقام الاول.
في ضوء ذلك، ووفقا لهشام توفيق: «إن شركات قطاع الأعمال العام في مصر يتطلب عليها الآن فصل المناصب الرفيعة المستوى التي يشغلها رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي، من أجل تعزيز حوكمة الشركات وزيادة الشفافية ». وأضاف أنه ليس من الضروري الانتظار حتى نهاية المدة لإجراء أي تغييرات في تشكيل مجلس الإدارة، إذا ما اعتبر ذلك في مصلحة الشركة.

Want To Read More?

You can download it and read it any time you want